Chapter 7

الفصل السابع

الغرباء في العالم

بعد ثلاث سنوات من العيش في قرية جبلية منعزلة باليمن، شعرت أنني صرت أخيرًا جزءًا من هذا المجتمع. في أحد الأيام بينما كنت جالسة في أحد المتاجر الصغيرة أتحدث إلى البائع الذي كان صديقًا جيدًا، مر أحد الغرباء بنا في طريقه إلى قرية مجاورة. ورآني جالسة في المتجر ولاحظ بطبيعة الحال أنني لست يمنية، فسأل البائع عني وسبب وجودي. في الثقافة اليمنية، من غير المحترم توجيه السؤال مباشرة لامرأة أجنبية، ولكن يوجه الحديث إلى الرجل الحاضر إذا كان السؤال خاصًا بي. مع ذلك، أخبره صديقي أنني "واحدة منهم" مما يعني أنها تعيش معهم وصارت فردًا من عائلته ومجتمعه. ثم سأل هذا الغريب إن كنت مسلمة. أجاب صديقي على الفور، "لا، ولكن لديها كتاب مورمون، تؤمن أن جوزف سميث نبي، ولا تشرب القهوة أو الشاي، وتؤمن بالله، وسوف تدخل الجنة بسبب عقيدتها أسرع منك كمسلم". ثم استطرد فقدم للرجل خطبة طوال خمسة عشر دقيقة عن معتقداتي وكيف أعيش بينهم طوال السنوات القليلة الماضية. ناهيك عن القول، أنني صعقت حقًا بكل ما يعرفه صديقي بما أن محادثتنا المباشرة عن معتقداتي كانت نادرة للغاية، فلم يحدث وأن وجه لي أي أسئلة معينة طوال ثلاث سنوات كاملة توفر له هذه المعلومات التي يخبر بها الغريب الآن.

عندما عدت للمنزل لاحقًا، تفكرت كيف علم كل شيء عن معتقداتي من دون أن نتناقش فيها قط. ثم تذكرت أول بضعة أشهر لي في القرية. كان يتم دعوتي إلى بيوت الناس لمقابلتهم ومشاركة الولائم معهم. كانوا بالضرورة يقدمون لي قهوة أو شاي بعد الطعام وكنت أرفض بلباقة، فأخبرهم أنها ضد معتقداتي حسب المذكور في قانون الصحة الذي نتمسك به. ثم تذكرت كيف أنه بعد ذلك بفترة قصيرة عندما كنت أزور أي شخص كانوا يقدمون لي عصير الفاكهة فيمتو أو بعض الماء البارد عوضًا عن ذلك. حتى من كنت أزورهم في منازلهم لأول مرة كانوا يعرفون بعدم تناولي للقهوة أو الشاي.

تذكرت كذلك صبيحة أيام الجمع، عندما كان الناس يأتون لزيارتي وكنت أجيب عليهم والنصوص المقدسة بين يدي. يعتبر يوم الجمعة في الشرق الأوسط يوم مقدس وكنت في منتصف وقت دراستي الكنسية عندما كانوا يطرقون بابي. كنت أتركهم يقاطعوني بكل سرور فقط كنت أشرح باختصار ما كنت أقوم به. بعد فترة قصيرة، لم يكن أحد يأتي لزيارتي صباح أيام الجمعة ولكنهم كانوا ينتظرون حتى وقت متأخر من اليوم لزيارتي. مرة أخرى، يبدو أن كل شخص في القرية يعلم أن ديبرا مشغولة "بالكنيسة" صبيحة الجمعة وذلك من دون أن أخبر أحد فعلاً بشيء معين عن الأمر.

أقل ما يمكن أن يقال إن نمط حياتنا في كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة يجعلنا غريبي الأطوار في نظر عالم اليوم. بمجرد أن يعرف الناس أننا لا نشاركهم في شيء معين بسبب معتقداتنا الدينية، سينتبهون أكثر لنا لرؤية الجوانب الأخرى من حياتنا وسلوكياتنا التي تؤثر فيها معتقداتنا. إن نمط حياتنا لا يعكس فقط عقيدتنا وقيمنا ولكن حماستنا في إتباعها. نحن مميزين في المجتمع كمختلفين بسبب امتناعنا عن احتساء الكحول أو التدخين أو تناول الشاي أو القهوة أو تعاطي المخدرات أو قول ألفاظ بذيئة أو ارتداء الملابس الخليعة أو الجنس قبل الزواج أو الاستماع لموسيقى غير لائقة أو مشاهدة أفلام خليعة أو أي أنشطة أخرى مخلة بالآداب. حيث يشير البند الثالث عشر من بنود الإيمان التي نؤمن بها: "نؤمن بأنه يجب علينا أن نكون أمناء وصادقين وأطهارًا ومحسنين وأصحاب فضيلة وأن نعمل الخير لكل البشر، حقًا قد نقول إننا نتبع نصائح بولس الرسول بأننا نؤمن بكل الأشياء ونأمل بكل الأشياء وأننا تحملنا الكثير ونرجو أن نقدر على احتمال كل الأشياء. فإن كان هناك شيء ذو فضيلة ومحبوب أو يستحق التقدير أو المدح فنحن نسعى وراء هذا الشيء".[1]

في كل دولة من الدول الإسلامية الخمسة التي أقمت بها، كان الغالبية العظمى ممن قابلتهم يبدون اندهاشًا إلى أقصى درجة عندما يجدون أمريكيًا يعيش هذه الحياة الملتزمة. فما يرونه في التليفزيون أو الأفلام أو من سلوكيات الأجانب الذين يقابلونهم، وجدوا أنه من المحال أن يوجد أمريكي يعيش وفق هذه القيود. لم يسمع أحدهم مطلقًا عن المورمون، وكان الرد المعتاد الذي أسمعه هو أنني من الممكن حقًا أن أومن بهذه الأشياء ولكن، مثل الجميع، لا أعيش فعليًا وفقها. وعندما بدءوا يعرفونني ووجدوا أن الأمر فعلي، كان يشعرون بالسعادة عندما يقدمونني إلى أصدقائهم كما لو كنت بدعة جديدة.

ذات مرة قدمني صديق سوري بشكل مرح لزميله في العمل. فقد أشار تجاهي بزهو قائلاً، "هذه هي ديبرا. إنها لا تحتسي الكحول، ولا تتناول الشاي أو القهوة، وهي لا تدخن أو تمارس الجنس خارج الزواج، وهي أمريكية. هل تصدق ذلك؟ هل سمعت من قبل عن أمريكي مثلها؟" على الرغم من أننا ضحكنا جميعًا، قادتنا الدعابة إلى محادثة مفيدة لساعة كاملة بين ثلاثتنا عن الصور النمطية الخاطئة لأفراد من ثقافات وجنسيات أخرى وأنواع القيم الضرورية في الحياة بغض النظر عن اعتقادات دينية معينة. تساعد مثل هذه المناقشات في تقليل الفجوة بين الحواجز الثقافية والدينية. يمكننا تعلم احترام مقدار كبير من اعتقادات الأخرى عندما نستغرق بعض الوقت في لاحديث عن القيم العامة التي نتشاركها. لذلك فإننا مكلفين بعدم إخفاء حقيقتنا ولكن إظهارها واضحة جلية مثل المدن على قمم التلال حيث يمكننا جميعًا رؤيتها. [2]

أتذكر كذلك طبيب سوداني كان في العيادة الوحيدة بمنطقتنا في اليمن. مرة أخرى، كنت أنا الأمريكية الأولى وربما الأجنبية الوحيدة التي عاشت بالمنطقة وكذلك أول أتباع مورمون. بالمثل، علم أنها خبرتي الأولى في الحياة بين المسلمين في الشرق الأوسط، لذلك شعر أنه من واجبه تعريفي بالإسلام على أمل قبولي بعقيدة الله الصحيحة. خلال الشهور القليلة الأولى من إقامتي، كنا نقضي بعض الساعات في مناقشة معتقداتنا الثنائية وكذلك الاختلافات في وجهات النظر. لقد كنت مهتمة بمعرفة تعاليم الإسلام وما يؤمن من أعيش في جوارهم. في نهاية كل مناقشة، كان يطلب مني بلطف تغيير عقيدتي وأعلن إسلامي.

بعد نحو شهرين من التحلي بالصبر المطلق بينما أرفض بلطف دعواته، انفجرت في النهاية، "ألم يحدث لك مطلقًا وأن اعتقدت أني ربما أشعر أن ديني صحيح ومنزل من الله وأن قناعتي قوية كما إيمانك بدينك؟ أنا أستطيع أن أحترم اعتقاداتك ولكنني لن أغيرها ببساطة لأنك طلبت مني ذلك. يمكنني أن أطلب منك التحول للإيمان بمورمون لنفس الأسباب. أنا مؤمنة من كل قلبي أني أسير على الطريق القويم للعودة إلى الله، وإذا عرفتني بشكل أفضل ورأيت كيف أعيش حياتي، سترى أنني على حق." بينما كنا نتبادل نقاشاتن الدينية كل حين فيما بعد، لم يعد يتطرق لموضوع تغيير عقيدتي مرة أخرى. ظللنا نعمل في القرية سويًا لعامين وبمرور الوقت توطدت صداقتنا.

من الطريف أنه في أحد الأيام طرق بابي صديق سوداني لهذا الطبيب وأتى من قرية أخرى بغرض طلبي للزواج. لقد كان له نقاشًا طويلاً مع الطبيب بشأني وبخصوص معتقداتي وتوصل أنني أعيش حياة عفيفة تجعلني صالحة للزواج منه بما أنه مسلم ملتزم.[3] شكرته بلطف على اهتمامه ولكنني أخبرته أن لدي عدة متطلبات أخرى في الزوج أكثر من كونه ملتزمًا، على الرغم من كونه عاملاً مهمًا. كذلك ففي أحد المرات، قد أرسل شيخ قريتنا صديق له كي يعرض الزواج مني كزوجة ثانية. في حين أن هذه الخبرات طريفة في إطار الثقافة الأمريكية، كنت أقدر احترام هؤلاء الرجال ورغبتهم الزواج مني باعتباره نظرتهم الدينية. طوال فترة إقامتي معهم، كانوا يرون أنني ألتزم بمبادئ الفضيلة وأن سمعتي نقية حتى يوصى بي كزوجة لرجال شرفاء آخرين من معارفهم. 

عندما تعرفت على زوجي بعد عدة سنوات، كان كذلك عبر صديق مسلم في الكويت أوصى بي لأحد أصدقائه بعد معرفته بي لفترة طويلة كافية ليتعرف على أسلوب حياتي وما أومن به حقًا. إن مفهوم الشرف والسمعة يخضع لأهمية قصوى في الشرق الأوسط وما من شيء يفوق الكلمات الطيبة التي تقال عنك للآخرين. لأجل ذلك فإن كثير من أنماط الحياة الإسلامية تعني بالفضيلة والسمعة الحسنة في الحياة اليومية. كذلك فإن كثير من قواعد السلوك الاجتماعية مستقاة من الشريعة (القانون الإسلامي الذي يعتمد على القرآن) والحديث الشريف (أقوال وأفعال النبي محمد صلى الله عليه وسلم). عندما يتعامل الناس بجدية مع إتباع دينهم كأسلوب للحياة عوضًا عن كونه مجموعة من المعتقدات، يبني ذلك شعورًا قويًا بالقيم الثقافية والمجتمعية.

يشعر الكثير من الناس أن دول الشرق الأوسط تفرض قيودا صارمة على مواطنيها بشأن المحظورات. ويميل الغربيون للنظر إلى حظر الأفلام والكتب والإنترنت وعادة ارتداء الحجاب للنساء ومنع الحانات وصالات الديسكو، والعقوبات القاسية لارتكاب الجرائم على أنها قيود مشددة أو حتى تمثل اضطهادًا بشكل عام. مع ذلك، كأحد أتباع الكنيسة كنت أشعر براحة شديدة في ممارسة شعائري في دولة مسلمة تدعم هذه القواعد مقارنة بالعيش بالمدن الأمريكية حيث هذه القيود غير مسموح بها.

في الحقيقة أشعر بالامتنان أنني في هذه البلاد، أستطيع بشكل عام الخروج من منزلي وحدي في أي وقت خلال اليوم أو الليل من دون الخوف أن يتعرضني شيء بسوء. أقدر أنني عند مشاهدتي برنامج بالتلفاز أو ذهابي لدور السينما التي كانت محظورة سابقًا بسبب المشاهد المؤذية أو اللغة المسيئة. أشعر بالامتنان أنه يمكنني القيادة خلال ساعات الليل المتأخرة من دون الخوف أن يصدمني سائق مخمور يعود منزله من إحدى الحانات. أشعر بالامتنان باستخدام الإنترنت من دون أن تقفز على الشاشة من دون اختياري مواد إباحية. كذلك أشعر بالامتنان لرؤية الناس من حولي يرتدون ملابس محتشمة ويتعاملون مع بعضهم بأدب ولطف. في حين أنه ليس كل شخص يعيش في الشرق الأوسط يعتبر مثالاً حيًا لتعاليم دينه (كما هو الحال مع كل دين)، لا زلت أرى أن السلوك العام أكثر أدبًا واحترامًا في هذه الدول عما عايشته في بلدي. مرة أخرى يعود ذلك إلى القواعد الموروثة من أدب الحديث الشريف وفق حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي سجلت منذ 1400 عام تقريبًا. لقد كانت تلك القواعد صائبة في وقتها، ولم تزل صالحة في أيامنا.

أما بشأن القيم الأخلاقية والسلوكيات العامة تجاه الآخرين يقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جار لا يأمن جاره بوائقه"[4]. بخلاف غياب الأفعال الشريرة، على المرء تجنب قول أشياء سلبية عن الآخرين. يقول حديث آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت"[5]. لذلك كان من الأهمية بمكان القدرة على حفظ لسان المرء وهو ما قرنها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بحفظ عفة المرء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة[6]" .

كذلك فمن الأهمية بمكان حفظ غضب المرء وهي مهارة اجتماعية مهمة للغاية علمنا إياها الحديث الشريف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"[7]. من العادات المثيرة للاهتمام في اليمن التي تلتزم بهذا الحديث أسلوب تسوية النزاعات الكلامية. فمن الممتلكات القليلة المبجلة لدى اليمنيين "الجنبية" (وهو خنجر فضي مزخرف يعلقه الرجال في أحزمتهم وفي أغلب الأحوال تتوارثه العائلة). ولضمان انضباط الألفاظ خلال أي حوار ملتهب، يطلب من كلا الطرفين منح الجنبية الخاص به لطرف ثالث يعرف بأنه شخص نزيه.

إذا حدث خلال أي مناقشة واتهم أحد الأطراف أو شوه سمعة الطرف الآخر حال الغضب أو بأي شكل من الألفاظ غير اللائقة، يخسر الجنبية خاصته للرجل الآخر. لقد شاهدت بنفسي هذه النقاشات والنزاعات التي يتم تسويتها بصورة ودية واحترام نتيجة لهذا التقليد. علاوة على ذلك، فطوال السنوات الثلاث من إقامتي في القرية، لم أسمع مطلقًا أحدهم يتحدث بسوء عن آخر، كما لم أشاهد أي عراك غاضب أمام العامة. إذا حدث وتحدث أحدهم بغضب في البداية، في المعتاد يسرع آخر ويحاول تهدئته بنوع من الفكاهة الخفيفة. 

كان الجميع يحاول بصدق أن يعيش حياة مسالمة بأفضل وسيلة ممكنة. كانوا يحاولون أن يجعلوا أنفسهم "مجتمعًا يتبع السلف الصالح، (ومن ثم) يتبعنا الخلف." [8] "خير الحديث كلام الله (القرآن) وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم." [9] تمثل حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يعيش المرء حياة فاضلة لأجل الآخرين وهو ما يعبر عنه الحديث الشريف. عندما سؤل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن إيتاء الزكاة، علمنا أن إخراجها فرض على المسلمين. سأل الناس، وماذا لو لم يكن لدى الرجل شيء يخرجه؟ أجاب النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه أن يعمل ويكسب من عرق يده كي يستفيد نفسه ويفيد الآخرين. وماذا لو لم يكن قادرًا على العمل؟ عندئذ يمكنه مساعدة المضطهدين البؤساء بكلمة أو فعل. إذا لم يتمكن من عمل ذلك، عليه على الأقل أن يشجع كل ما هو خير ومقبول. وأخيرًا، إذا كان ذلك مستحيلاً، عليه أن يتنزه عن الآثام وهو ما يعتبر من أعمال الخير العظيمة. [10]

أما الشخص الذي لا يستطيع التحكم في سلوكه ويلتزم بقوانين السلوك ولا يقوم بأي عمل خير من خلال الالتزام بالقواعد الأخرى الأساسية للإسلام. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". (مثل صيام رمضان). [11]بالإضافة لذلك، إذا عاش المرء وفق أركان الإسلام فحسب من دون نية خالصة، يرد عمله عليه. إن القيام بأعمال الخير بهدف الرياء أمام الناس يبطل العمل. "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة".[12] وينطبق ذلك أيضًا على الجود والإحسان للآخرين.

من أعظم القيم الثقافية المكتسبة من الحديث الشريف ويشتهر بها الشرق الأوسط هو الاحتفاء بالضيف ومعاملة الضيوف في أرض الإسلام. حيث يأمر الدين بحماية الذمي (غير المسلم، وبشكل أكثر تحديدًا المسيحي) الذي يعيش في دولة المسلمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من آذى ذميًا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة."[13] علاوة على ذلك، يقول الفقيه المسلم الشهير ابن حزم أنه إذا أتى عدوًا بقواته ليأخذ ذميًا من بلد المسلمين حيث يعيش، الواجب على كل مسلم قتال ذلك العدو وبذل روحه قبل أن ينقض عهد الحماية الذي ضمنه الله عز وجل لغير المسلمين. [14]

كرم الضيافة من الفضائل المقدسة عند المسلم، وللضيف حقوق مذكورة في الأحاديث الشريفة. ومن بينها حفاوة الاستضافة وتقديم أجود الأطعمة ليوم وليلة أو طعام عادي لثلاثة أيام. لا يجب على المضيف الأكل حتى يأكل الضيف ولا يجب أن يظهر أي غضب أو ضجر أمامه. [15] طوال هذه السنوات كنت مندهشة جدًا بالكرم وحسن الضيافة التي حظيت بها لمرات لا تحصى في الدول الإسلامية. سواء كانت وجبة بسيطة على طعام الإفطار (وجبة الإفطار بعد الصيام خلال شهر رمضان)، أو مناسبة خاصة مثل الزواج أو حتى عند البقاء مع الأصدقاء، كان المضيف يتفاخر دائمًا بما يقدمه حيث تكمن سعادته في خدمة الضيف. امتد ذلك أيضًا إلى مواقف أمام العامة عندما كنت في حاجة لأي مساعدة. كثيرًا ما تجاوز الغرباء عن طريقهم ووقتهم وعرضوا مساعدتي عند الحاجة كجزء مما يعتبرونه أقل واجب للضيف. يمتد هذا الاتجاه المجتمعي للكرم والمساعدة الحقيقية إلى أي شخص سواء كان صديقًا أم غريبًا، كل من يحتاج للمساعدة.

لقد قارنت هذا الاتجاه بما عايشته عندما عدت إلى الولايات المتحدة في إجازة منذ بضع سنوات. لقد وصلت إلى المطار وانتظرت حقائبي أمام سير استلام الحقائب. وكان بجواري سيدة عجوز يمكن بسهولة ملاحظة تجاوز عمرها 75 عامًا. وكان يقف بجانبنا شاب صغير السن مهندم الثياب كان يظهر ضجرًا خلال انتظار متاعه. عندما وصلت الحقائب، أدركت السيدة حقيبتها وحاولت من دون جدوى الوصول إليها. بمجرد أن تجاوزتها الحقيبة، اصطدمت من دون قصد بذراع الشاب الواقف إلى يمينها. وبدلاً من مساعدتها، وجه إليها نظرة ممتعضة وابتعد عن طريقها. لحسن الحظ، شاهد أحد النبلاء يقف على الجانب من الآخر من السير انزعاجها ولاحق الحقيبة. واجهت صعوبة حقيقية في منع نفسي من تأنيب هذا الشاب الذي تكبر عن عرض أي مساعدة للسيدة العجوز. هذا الموقف مجرد تعليق بسيط يوضح إلى أي منحدر وصلت قيمنا الاجتماعية خلال العقود القليلة السابقة. لقد لاحظت أنه بمرور السنوات هناك حالة عامة متزايدة من الأنانية واللامبالاة تجاه الآخرين في ثقافة بلدي. مرة أخرى، بينما بالتأكيد لا أحكم على جميع الأمريكيين بهذا السلوك القاسي، فإنني أشعر أنه يمكننا إلى حد ما تحسين شعورنا بالمسئولية المجتمعية من خلال دراسة النماذج والقيم التي نتعلمها من الأحاديث الشريفة التي لم تزل تشكل جزءًا كبيرًا على نمط الحياة الإسلامية المعاصرة.

من القيم الدينية الأخرى التي نتعلمها من الحديث الشريف أهمية الأسرة واحترام أعضاء الأسرة الأكبر سنًا، وتحظى الأم بالأهمية الرئيسية. سؤل النبي محمد صلى الله عليه وسلم "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك." [16]دائمًا ما تحظى الأم بمكانة رائدة داخل البيت المسلم. فهي مكرمة ويصغي الأطفال لها ويستمروا في العيش معها حتى يتوفاها الأجل. كان أصدقائي من دول عديدة يصيبهم الفزع عندما علموا بوجود بيوت مسنين في الولايات المتحدة ووجدوا صعوبة حقيقية في فهم كيف أصبحنا هكذا نتعامل ببرود وجفاء وعدم احترام لنلقي بآبائنا المسنين في مثل هذه البيوت.

لقد شعرنا أنه من أقوى محاور إيماننا في كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة نظرتنا للأسرة، والتزامنا تجاه الحب وخدمة بعضنا البعض والبقاء بجوار بعضنا. في عام 1995، أصدرت الرئاسة الأولى بكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بيانًا حول "الأسرة: إعلان للعالم".[17] في هذا البيان، تؤكد الكنيسة على أن الزواج والحياة العائلية من قدر الله وعلى حق الأطفال في الحياة في بيئة قائمة على "مبادئ الإيمان والصلاة والتوبة والعفو والاحترام والحب والعطف والعمل والأنشطة الترفيهية المفيدة".[18]

بينما نؤمن في بقاء أسرنا وحدة واحدة معنا للأبد، ينبغي أن نسأل أنفسنا إلى أي درجة نحن صادقين حقًا في الاقتراب الأبدي معهم في حياتنا اليومية. في أغلب الأسر الكبيرة بالشرق الأوسط، تبدو الروابط الأسرية متينة للغاية. لا ينطبق ذلك فقط على الوشائج العاطفية، ولكنه يصل إلى جوانب من الدعم البدني والحماية كذلك. يعود جانب من ذلك إلى بقية من آثار التقاليد القبلية الثقافية التي تربط بينهم بإحكام، ولكن يعود السبب الأكبر إلى سمة الاحترام والتبجيل التي يدعو لها الإسلام كواجب لتحقيقه في حياة الأسرة. يشارك جميع أعضاء الأسرة مواردهم المالية والبدنية فيما بينهم، حتى بعد الزواج. لم يكن السؤال أبدًا خاص بمن يدعم كبار السن بعدما تظهر آثار السنين عليهم. كما لا توجد الكثير من المرافق للأيتام أو المرضى العقليين أو الفقراء. تتعامل الأسر مع هذه المشكلات في إطارها وفق أقصى قدراتها من دون التخلي عن أعضاءها نهائيًا ونقلهم إلى المؤسسات العامة. كذلك لا يعتبر هذا الأمر مقبولاً سواء مجتمعيًا أو ثقافيًا ناهيك عن البعد الديني.

كما ذكرنا، يبدو تبجيل واحترام الأفراد أو أعضاء الأسرة في أعلى درجاته في الدول الإسلامية. أي شخص تعرض للإهانة لأي سبب يعني إهانة الأسرة كاملة، لذلك كان من الحتمي الاحتفاظ بالسمعة الطيبة وحسن السيرة. يعود هذا الاتجاه من جانب لمسئولية النساء على عدم المبالغة في الظهور بالأماكن العامة. مرة أخرى، نظرة تبدو اضطهادًا عند كثير من الغربيين نتيجة للأصولية الدينية. لسلوك المرأة أمام العامة تأثيرًا مباشرًا على أسرتها. كلما كانت المرأة أكثر تواضعًا وتحفظًا، كانت أفعالها وأقوالها أكثر عفة، كلما كان التبجيل والاحترام سمة لها ولأسرتها.

في الوقت الحالي، بينما ترتدي جميع النساء ملابس محتشمة أمام العامة، في المعتاد يكون البعد الثقافي والأسرة السبب وراء ارتداء المرأة للعباية (ثوب أسود مع أو من دون غطاء ملحق للرأس) أو تغطية وجهها بحجابها أو عدم قيامها بذلك. "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (سورة 24: 31). دائمًا تفسر الزينة أنها تعني الشعر وفي بعض الأحيان الوجه والكفين. مع ذلك، بشأن تغطية الوجه بالكامل، فلا يوجد نص مباشر في القرآن يأمر به. وفي حقيقة الأمر، أثناء أداء الصلاة وشعائر الحج، يجب أن تكشف المرأة وجهها.

يقول الإمام القرطبي، أحد كبار العلماء المسلمين: "لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما. يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا.." وأشار إلى وجهه، وكفه".[19]

من ثم يعتمد القرار على ارتداء الحجاب أم لا في الجانب الأكبر على المعيار الثقافي وتوقعات الأسرة بدلاً من الشريعة الإسلامية. بالتالي، نجد أنه في نفس الدولة، هناك الكثير من النساء على طرفي النقيض. بينما كنت أقيم في المملكة العربية السعودية، كان علي ارتداء العباية حتى مع كوني أجنبية. كذلك كنت أحمل وشاحًا معي أمام العامة لارتداءه في حال طلب مني ذلك أحد المطوعين (الشرطة الدينية المكلفة في الدول الإسلامية بالمحافظة فحسب) أن أغطي رأسي. في أغلب الأحوال لم أكن أمتثل لهم، ولكن في حالات أخرى كنت أجبر على الامتثال.

لا يفرض القرآن ارتداء العباية والوشاح لجميع النساء (وحتى الأجنبيات) ولكنه متطلب تقره العديد من المؤسسات السياسية في الحكومات الإسلامية شديدة المحافظة. بينما في دول مثل المملكة العربية السعودية وإيران توجد قوانين حديثة بشأن المظهر العام للنساء، يتفاوت تطبيق هذه القوانين داخل نفس الدول من مدينة لأخرى. فالنساء الأجنبيات اللاتي يعشن في جدة بالسعودية ليس عليهم تغطية رؤوسهن على الإطلاق ونادرًا ما يرتدين العباية أمام العامة. عندما كنت أعمل في مستشفى في قلب الرياض، حتى بعض زميلاتي السعوديات كن لا يرتدين الوشاح. كان أغلبهن لا يغطين وجههن عند القدوم للعمل، على الرغم من ارتداء بعضهن للحجاب الكامل حتى لدرجة ارتداء قفازات. كانت لدي بعض المحادثات الطويلة مع بعض هؤلاء النساء ممن كنا صديقاتي وكن يؤكدن بسرعة على أنه قرارهن الخاص بالحجاب الكامل وليس من قبيل الفرض أو القيد من عائلاتهن أو الحكومة. مرة أخرى، كن يؤكدن أن النابع وراء قرارهن هو الاحترام والتبجيل لعائلاتهن وكان يسعدهن المشاركة في ذلك عبر شيء بسيط مثل الملابس أمام العامة.

في الجامعة كنت أعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من أن الحرم الجامعي للفتيات فحسب، كانت غالبية الطالبات يرتدين العباية ويغطين رؤوسهن. وإذا كن يغطين وجوههن كن جميعًا يكشفن عنه أثناء وقت الفصل، ولكن يضعن الحجاب أثناء التجول في الحرم الجامعي حيث كان هناك بعض العمال والمدرسين الرجال. بالنسبة لهن كان ببساطة نمطًا في الحياة يظهرن من خلاله الفخر بتراثهن والالتزام ورفع اسم العائلة.

ومع هذا العرف الخاص باللباس المحتشم، كانت التوقعات بالسلوك المحتشم بين الجنسين أمام العامة. كان من غير المقبول أن يظهر الرجال والنساء إشارات عاطفية ظاهرة أمام العامة، وحتى إن كانوا أزواجًا. كان من الشائع جدًا رؤية مشاعر حميمة بين الأصدقاء من نفس الجنس ممن يسلمون على بعضهم بتقبيل الخدين وتأبط الذراعين أثناء السير. وبأي حال لا يفسر ذلك على أنها اتجاهات مثلية، ولكنه سلوك مقبول ثقافيًا تبعًا للسلوك العام في الشرق الأوسط.

تتضمن أغلب أماكن الأعمال مثل المطاعم والمصارف ومكاتب البريد والمرافق الأخرى شائعة الاستخدام، مداخل أو مناطق منفصلة للرجال والسيدات. إذا لم يكن هناك مكان خاص للسيدات، كن يتحركن بحرية أمام الرجال كي يتلقين الخدمة المطلوبة. بشكل عام، يتم التعامل مع النساء باحترام كبير وبأدب كبير أكثر من الرجال أمام العامة. بالنسبة لي كامرأة، كنت دائمًا ما استمتع بهذه المزايا بسبب جنسي عندما كنت أقيم في هذه البلدان. من الجيد أن أشعر من منحي معاملة تفاضلية أكبر مما كنت سأحظى به في بلدي حيث الجميع سواسية في إطار السلوك والآداب العامة.

بينما الفصل بين الجنسين أمام العامة لا يعود لإلزام قرآني، يكمن السبب الرئيسي في هذا السلوك إلى الرغبة في تجنب أي إغواءات خاصة بالتجاوزات الجنسية. هناك الحديث الشريف الذي يقول، "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَخْلُونَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثْهُمَا الشَّيْطَانُ"[20]. يعلق الإمام القرطبي على هذا الحديث، "فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته".[21] كذلك فإن ذلك أدعى لمنع أي احتمال للنميمة قد تؤثر مباشرة على سمعة المرأة أو شرف العائلة. لذلك، من الأفضل ببساطة عدم منح الفرصة للخلوة ناهيك عن مخاطر أي نتائج سلبية تليها.

في مقر عملي بالرياض، كان هذا الحديث الشريف بالتحديد يعلق في المصاعد في البنايات. بالتالي عندما تفتح أبواب المصعد في أي طابق وبداخله امرأة كان الرجل يترك الباب يغلق وينتظر في صبر حتى يكون المصعد خاليًا قبل استخدامه. شخصيًا وجدت الأمر مسليًا أن أتصور ما نوع السلوك الشائن الذي قد يحدث بين غريبين أثناء تحرك المصعد بين الطوابق، ولكن دلالة الحديث ذاته فتطبق بشكل تام.

بطبيعة الحال، فالخطايا الشائنة كالزنا والدعارة حرام (محظورة) في الإسلام. وعقوبة الزنا الرجم حتى الموت، ولكن حتى يتم الاتهام لا بد من أربعة شهود عدول يشهدون على رؤية الفعل. كذلك، فالاستمناء والشذوذ من الأمور المحرمة المنهي عنها في القرآن الكريم والحديث الشريف. [22] يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشأن التحكم في العواطف وكبح الشهوات، "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".[23]

إن كبح الشهوات البدنية للمرء لا تنطبق فقط على العاطفة، ولكن إلى جميع الشهوات الحسية مثل الأكل والشرب كذلك. يوجد في الإسلام نظام للصحة يشبه "كلمة الحكمة"[24] (قانون الصحة) لدى كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة الذي يمنع احتساء الكحول أو أي مسكرات أخرى، أو أكل لحم الخنزير أو الميتة (الحيوانات الميتة). [25] تبدو هنا تشابهات العهد القديم عندما نرى المتطلبات الواجبة في الإسلام لذبح الحيوانات وما يعتبر لحمًا طاهرًا وغير طاهر. أما بشأن تناول المخدرات، فأغلب الدول الإسلامية تفرض عقوبات قاسية على استيراد أو حيازة المواد المحظورة والتي قد تصل إلى عقوبة الإعدام. بالتالي، فجميع الأشياء التي ترتبط بثقافة المخدرات لا تشيع في هذه البلدان.

سواء كان الأمر خاص بتحكم المرء في نفسه أو الهيمنة الحكومية على المجتمع بشكل عام، يكمن هدف الإسلام في تعليم الاستسلام الكامل لله بالجسد والعقل والقلب. إن العالم مكان ملئ بالشهوات والمغريات التي قد تقودنا إلى طريق الضلال إذا لم نبذل أي جهد للسيطرة على أفعالنا أو عقولنا. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس وحسن أكلة، بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع" [26].

وكي نستثمر الفرصة في هذا العالم كما ينبغي وعدم جعلها تقودنا إلى طريق الضلال أو تشوش علينا طريق الخلود، علينا تذكر الفكرة الأشمل والهدف من الحياة. "ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل بمباعده".[27]

من الصعب أن نضع الواقع الحقيقي دائمًا في بؤرة الاهتمام عندما نتعامل مع أشياء تافهة في حياتنا اليومية. لذلك فمن الضروري أن نحيط أنفسنا بأشياء تذكرنا بالأمور المهمة حقًا. عندما كنت أعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، كنت كثيرًا ما أقود السيارة لساعتين من العين إلى أبو ظبي في أيام الجمع لحضور الكنيسة. كنت معجبة بحقيقة أن الطريق السريع مليء بإعلانات معلقة كل ميلين تذكر بالله. تعطي هذه العبارات القصيرة باللغة العربية المسافر شعور أنه بغض النظر عن وجهتك، فإن اعتقاداتك تصاحبك وأنك محاط دائمًا بالإيمان وحضور الله إذا كنت ذاكرًا له. إنه تشبه مناشدة كتاب مورمون لنا بتوجيه قلوبنا دائمًا لله خلال الصلاة وفي جميع الأوقات. بهذه الطريقة نبقى نعيش في هذا العالم وليس أن يتملكنا.

إن هذا الاتجاه المركز على الخلود هو ما يجعل جميع الأبرار غرباء حقًا حتى لمن يحيطونهم ممن ينغمسون فيما يرونه الواقع المظلم لوجودهم. يجب أن نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".[28] نحن نقوم بذلك كمسلمين أو أتباع مورمون من خلال معايشة معتقداتنا وليس فقط مجرد التفكير فيها. من خلال الالتزام بمعايشة قوانين الله صراحة في اختيارات أسلوب حياتنا، نحن نثبت يوميًا أننا نجاهد من أجل المجد "وبالقيام بهذه الأمور فسوف تقوم بأعظم خدمة صالحة لرفقائك البشر، كما أنك ستُعْلي من شأن مجد ربك". (المبادئ والعهود 81: 4)

[1] بنود الإيمان، رقم 13

[2] الكتاب المقدس إنجيل متى 5: 14-16

[3] في الإسلام، يسمح للمسلم الزواج بامرأة مسيحية طالما كانت مؤمنة ومحصنة. انظر سورة (6: 5)

[4] الحديث في صحيح البخاري، المجلد الثامن، ص. 28

[5] المرجع السابق، ص. 320

[6] المرجع السابق، ص. 320

[7] المرجع السابق، ص. 87

[8] المرجع السابق، المجلد التاسع، ص. 282

[9] المرجع السابق، صفحة 238

[10] المرجع السابق، المجلد الثامن، ص. 31

[11] المرجع السابق، ص. 53

[12] المرجع السابق، ص. 334

[13] يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام، دار نشر American Trust Publications إنديانابوليس، إنديانا، 1960، ص. 338

[14] المرجع السابق، ص. 339

[15] الحديث في صحيح البخاري، في العمل المذكور المجلد الثامن صفحات 30 و102 و103

[16] المرجع السابق، صفحة 2

[17] https://www.lds.org/bc/content/shared/content/arabic/pdf/language-materials/35602_ara.pdf?lang=eng&clang=ara

[18] المرجع السابق، الأسرة: إعلان للعالم، 1995، بيان الرئاسة الأولى

[19] القرضاوي، ص. 157

[20] المصدر السابق، ص. 150

[21] المصدر السابق، ص. 150

[22] سورة 26: 165، 166؛ سورة 23: 5-7

[23] في العمل المذكور، ص. 171

[24] كلمة الحكمة مقدمة في المبادئ والعهود 93. يحرم على المورمون شرب الكحول واحتساء القهوة والشاي وشرب الدخان والمسكرات.

[25] سورة 2: 173، سورة 5: 90

[26] الحديث في صحيح البخاري، المجلد الثامن، ص. 291

[27] المرجع السابق، ص. 285

[28] المرجع السابق، ص. 285